مقالات

مصرية وأفتخر

بقلم / دينا شرف الدين

وحقاً فقد أظهرت تلك الجائحة التي اجتاحت سكان الأرض كافة معادن و أصول البشر، فمهما علت قدور الناس لاعتبارات شكلية كالجاه والسطوة والسلطان، ومهما بلغ الإنسان من مراتب الهيبة والمكانة الإجتماعية ومهما اعتلي من المناصب فلم ولن تغير من أصله العميق وجذوره البعيدة وعقد نقصه التي تطارده بأي مكان وفي أي ظروف وها هي بعض الدول التي آن الأوان لإعادة ترتيب أهميتها وتصنيفها بناء على مقياس رقيه الخلقي وأصولها الطيبة التي تظهر بالأزمات فقد شاهدنا وما زلنا نشاهد تداعيات الأزمة الإنسانية ونستعرض صورها بوسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وشهادات الشهود من أهلها وغير أهلها .

فتوالت الصدمات بتصرفات حكومات وسلوكيات شعوب كنا نظنها أو كانت تبدو لنا ولغيرنا مثالاً التحضر والرقي ونموذجاً يحتذي به، لكنه وبالأيام القاسية الماضية قد تبين لنا أنها مجرد مشاهد منمقة متعمدة بأفلامهم السينمائية المتقنة ! فقد وثقت الأزمة ما أخفته آلاتهم الإعلامية البارعة عن الآخرين، بأكبر وأهم وأكثر دول دول العالم تحضراً وتسلطاً، لنشاهد ما لا تصدقه أعيننا ولا تقو عقولنا على استيعابه من صور مخجلة تعود بنا بالذاكرة إلى عصور الظلام بالقرون الوسطى قبل أن تنطلق دول أوروبا تلك الانطلاقة الحضارية الفارقة ! أما عن الولايات المتحدة، فقد فاقت سلوكيات شعبها كل حدود المنطق، لنرى صوراً قد سبقت الأوان لفوضى غير مسبوقة ونهب علني للمتاجر الكبيرة، إضافة إلي شهود العيان الذين أكدوا أن الأمر قد تخطي السرقات والفوضى ليصل إلي حد القتل لعمال توصيل الطعام بمجرد الاستيلاء على وجبة ! وما الغريب في ذلك، فقد نقلت لنا الأخبار منذ أيام قليلة طوابير المواطنين الأمريكيين على متجر السلاح لتزويد ترساناتها المعتادة بالمزيد من الأسلحة كسلوك معتاد تحسباً للأزمة ! وعلي سبيل المثال أيضاً، فقد اشتعلت الخلافات بين دول أوروبا نتيجة سرعة تخلي بعضهم عن بعض وعدم تقديم أية مساعدات لأكثرهم تضرراً كإيطالياً وإسبانيا، حتى إن الإيطاليين من شدة غضبهم من موقف دول أوروبا قاموا بإنزال علم الاتحاد الأوروبي، إذ سمعنا جميعاً بالأيام الماضية رسالة المواطنة الإيطالية شديدة اللهجة لدول القارة ذات الإتحاد الزائف و الذي لاح بالافق أنه على

وشك الإنهيار فور انتهاء الأزمة ناهيك عن حالات القرصنة الصريحة و الضمنية ببعض الأحيان التي تقوم بها

بعض دول الغرب تجاه بعضها السطو على شحنات الكمامات و المطهرات من دولة وهي بطريقها لأخرى كان من المفترض أنها صديقة لها .

أقسم أنني لا أستعرض تلك التفاصيل من أجل الشماتة بالآخرين لا سمح الله، لكنني استعرضها لأحمد الله ليلاً

و نهاراً و أفتخر بانتمائي لهذا البلد الذي حفظه الله على مر الزمان، والذي تمتد جذوره لأقدم تاريخ على وجه

هذه الأرض، وهذا ما تجلى بأوقات الشدائد و استحكام الأزمات، فتلك الأرض الطيبة المباركة وأهلها الطيبين

الذين يمتلكون من الأصل و رقي الخلق ما لا يمتلكه أحد، إذ ظهرت معادنهم الطيبة و أصولهم العريقة التي ربما

تراكمت عليها بعض الأتربة لتغطيها فترة من الزمن لكنه الماس الذي لا تؤثر به عوامل الزمن مهما اشتدت

قسوته، فعندما نستعرض صور مصر و المصريين قيادة و حكومة و شعباً، ستشعر بالفخر و الامتلاء و الأمان

والإطمئنان الذي ربما كان بعضنا يعجز عن رؤيته جيداً، لكنها الأزمة التي أظهرت أجمل خصالنا و أشدها عمق،

فما قدمته الدولة لشعبها في أسابيع قليلة قد فاق توقعات الجميع و ما اتخذته من إجراءات سريعة متوازية

بكل الإتجاهات لتدارك الموقف ومحاولة السيطرة السريعة على انتشار الوباء، قد شهد العالم أجمع بجديته

وتفرده، وما تفعله السلطات من تحركات محسوبة بها مخاطرة كبيرة لاستعادة المصريين الذين تم احتجازهم

بدول أخري، لم تفعله أكبر و أكثر الدول تقدماً مع مواطنيها .

وما شاهدناه من صور استعداد قواتنا المسلحة على كافة المستويات تحسباً لتفاقم الأزمة لا قدر الله، لهو

بحق مدعاة للفخر .

و ما قدمته ومازالت تقدمه مصر أكثر الدول تضرراً من الوباء قد سبق أكبر و أهم الدول الغنية المتحضرة و تسبب لها بالكثير من الخجل .

أخيراً و ليس آخراً: ما ظهرت به سلوكيات غالبية المصريين من تحضر ووعي ومسؤولية لمساندة مجهودات

الدولة ودعم إخوانهم ممن لا يملكون الوعي الكافي لتوعيتهم من خلال مئات الرسائل والفيديوهات التعليمية

التطوعية من مختلف التخصصات، وكذلك تسارع أهل الخير لإعانة المتضررين من العمالة المؤقتة لتحقيق مبدأ

التكافل الاجتماعي بحق من خلال مبادرات مشكورة لم تخرج عن أغني و أكبر الأسماء اللامعة في عالم رجال الأعمال الأثرياء .

حتى وسائل الترفيه و التسلية بأوقات الحظر لم يغفلها شعب مصر العظيم و لم يبخل بها بعضهم علي بعض،

فقد تسارع عدد من فناني مصر مطربين وموسيقيين بتقديم حفلات مباشرة لجماهيرهم كنوع من أنواع الدعم

النفسي و المسؤولية الإجتماعية .

في صورة رائعة لتجاوز الأزمة تعكس معدن شعب أصيل مهذب و دولة عريقة تمتد جذورها لبدايات وجود الإنسان على ظهر هذه الأرض .

فهل نفتخر جميعاً بعد أن تعددت الصور بصورة مصرية راقية ستتصدر صفحات التاريخ عما قريب ؟ فأنا بحق ” مصرية وأفتخر ” .

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock