فن وثقافة

بحث طويلا؟؟

القاص : محمد مصطفى الهلالى

في الشوارع التي حفرتها قدمه ذهابا وإيابا .كان يتكئ على عكازه الأسود ويهمس
لقدمه صبرا .أطال البحث وأطالت هي الغياب .كان يرمق كل الوجوه العابرة .يشده احمرار أعينهم ولهفة أقدامهم للسير لا يلتفت إليه إلا البطيئون كانوا كما حالته يبحثون عن أنيس لوحده خطوتهم .يلقون السلام عليه ولا ينتظرون الرد .
عندما تحرك الترام من محطة الرمل في اتجاه باكوس. كان مستلقيا علي أول مقعد فيه ممدا قدمه تاركا حذائه أسفل المقعد راشقا بصره من وراء نظارته السميكة إلي البيوت التي تمر سريعا من شباك الترام .بدا متمتعا بالنظر من خلال الدور الثاني الذي تعود الركوب فيه .
قابضا علي شباك الترام بيد واليد الاخري بها فئات صغيرة من النقود تتجاوز الخمسة جنيهات نسي أن يستلم جريدة الأهرام اليومية. ينظر في صفحة وحيده مازال كعادته من 50 سنه يوم أن استلم خطاب بالتعيين في شركة جانكليس يقرأ صفحه الوفيات بنهم باحثا عن ضالته في ثنايا أسماء الوفيات و ألقاب العائلات .
نسي أن ينبه بائع الجرائد إلي انه سيغير عادته الآن فقد مرت السنون دون أن يعثر علي اثر لعائلته أو فرد منهم مثلما فعلت زوجته وخرجت إلي سوق” الحضرة” من 30 سنه تشتري طلبات البيت ونسيت طريق العودة .أوهم نفسه كثيرا إنها ستعود تحمل ابنتها الجميلة علي صدرها وتعتذر عن تأخرها .وانه سيصفح عنها ويحضن طفلته الوحيدة.
انتبه عندما مر الترام إلي طريق جانبي متحولا إلي الجراج في محطة سيدي جابر.
ياه إيه اللي حصل؟
رد عليه راكب يجلس في العربة.” السنجه” وقعت!!
ضاحكا لسه بتقع.
تركه الراكب وغادر للنزول .
كان الشتاء القارص يعبر من خلال سترته المتهالكة إلي حشو صدره من جرائد قديمة لطالما لفته بها زوجته قبل الخروج .
بدا عليه القلق من طول الانتظار وعندما تحرك القطار مصدرا صوته المزعج كان يعبر علي محطة” مصطفي كامل” متوجها إلي” سيدي بشر ” دون توقف نظر مندهشا وهو يري سرعه الترام غير المعتادة وكأنه انتبه أخيرا
ظل يعد محطات الترام واحده تلو الاخري إلي أن هدأ أخيرا وهدأ وحيدا ممسكا بصدره شاخصا ببصره لسقف الترام
…كان وصف الحالة في مستشفي المواساة
رجل في عقده السابع يرتدي جاكت غامق وبنطلون بني وحذاء بني وعلي وجهه نظارة سميكة.
أزمة قلبية أثناء ركوبة الترام توفي من ساعة او أكثر فقد دخل المستشفي بمساعدة الكمسري وأدلي الرجل بأقواله ان هذا الرجل يرتاد الترام منذ عشر سنوات يوميا يجلس في الدور الثاني من الساعة 8 صباحا حتى الثالثة عصرا ثم يغادر القطار في اتجاه شارع صفيه زغلول.
..مات وحيدا تاركا عكازه الذي يرافقه منذ 20 عاما علي كرسي الترام .
الذي لم يقرأه في الأهرام الآن: توفي اليوم ” مصري عبدا لصبور المصري”بالمعاش بشركه جانكليس قريب ونسيب عائلات المصري بالاسكندريه والقاهرة والمنصورة دفن بمقابر الصدقة بعمود ا لشاطبي .ولا عزاء للأقارب . تطوع بالنشر صاحب كشك الجرائد بعد أن دفع مبلغ النعي بما تبقي من اشتراكه السنوي للجريدة .

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock